في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، أصبح امتلاك المهارات المناسبة شرطًا أساسيًا للنجاح في سوق العمل. لم تعد الشهادات الأكاديمية وحدها كافية، بل أصبح التركيز ينصب على اكتساب المهارات العملية والتقنية التي تواكب التحولات الرقمية العالمية. من هذا المنطلق، جاءت “أكاديمية مهارات المستقبل” كمبادرة مبتكرة أُطلقت بالتعاون بين مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنصة “كورسيرا” التعليمية. تهدف هذه المبادرة إلى سد الفجوة المهارية في العالم العربي عبر تزويد الأفراد بالمعرفة والمهارات اللازمة لمواكبة متطلبات سوق العمل المتجددة. تعد هذه المبادرة خطوة رائدة في تطوير رأس المال البشري، حيث تستهدف 5,500 مواطن عربي في تسع دول عربية تشمل: الإمارات، السعودية، مصر، الجزائر، العراق، المغرب، تونس، الأردن، ولبنان. تقدم الأكاديمية مجموعة واسعة من الدورات التدريبية المتخصصة التي تشمل مجالات متعددة، بدءًا من المهارات القابلة للنقل، مرورًا بـ مهارات ريادة الأعمال، وصولًا إلى المهارات التقنية المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، تحليل البيانات، التسويق الرقمي، والتعلم الآلي. إن أهمية هذه المبادرة لا تقتصر فقط على تقديم محتوى تعليمي متطور، بل تمتد لتشمل تحقيق التنمية المستدامة من خلال تمكين الشباب العربي وتأهيلهم للمنافسة في بيئة عمل عالمية متغيرة. فما تفاصيل هذه المبادرة؟ وما مدى تأثيرها المتوقع على مستقبل القوى العاملة العربية؟
تفاصيل المبادرة: رؤية شاملة لتعزيز المهارات
تتميز “أكاديمية مهارات المستقبل” بأنها مبادرة شاملة توفر للمتدربين مسارات تعليمية متعددة تهدف إلى تعزيز مهاراتهم في مجالات متنوعة. تنقسم هذه المسارات إلى ثلاثة محاور رئيسية، وهي:
1. المهارات القابلة للنقل (Transferable Skills)
وهي المهارات التي يمكن استخدامها في مختلف المجالات والقطاعات، وتشمل:
•المهارات الشخصية والتواصلية: مثل القدرة على العمل الجماعي، مهارات العرض والتقديم، وإدارة الوقت.
•المهارات الرقمية: مثل استخدام الأدوات الرقمية الحديثة، وإتقان العمل عن بُعد.
•الاستعداد الوظيفي: ويشمل كيفية كتابة السيرة الذاتية، التحضير لمقابلات العمل، والتعامل مع بيئات العمل المختلفة.
2. مهارات ريادة الأعمال (Entrepreneurial Skills)
في ظل تنامي الاهتمام بريادة الأعمال في المنطقة العربية، توفر الأكاديمية برامج متخصصة في:
•المهارات الإدارية: مثل إدارة المشاريع، واتخاذ القرارات الاستراتيجية.
•المهارات المالية: كإدارة الميزانيات، والتمويل، والاستثمار.
•التسويق والتخطيط للأعمال: والذي يشمل استراتيجيات التسويق الرقمي، وتحليل السوق، وتطوير المنتجات.
3. المهارات التقنية والمتقدمة (Advanced & Technical Skills)
مع تطور التكنولوجيا الحديثة، أصبح من الضروري اكتساب مهارات تقنية متقدمة لضمان القدرة على المنافسة في سوق العمل. تشمل هذه الفئة:
•الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي: لفهم كيفية تطوير الأنظمة الذكية وتحليل البيانات.
•الأمن السيبراني: لحماية المعلومات والبيانات من الاختراقات الإلكترونية.
•التسويق الرقمي: والذي يتضمن تقنيات تحسين محركات البحث (SEO)، والإعلانات الرقمية.
•تحليل البيانات: لفهم البيانات الضخمة واتخاذ قرارات قائمة على التحليلات المتقدمة.
•سلسلة الكتل (Blockchain): وهي التقنية المستخدمة في تطوير العملات الرقمية والأمان المعلوماتي.
تتيح الأكاديمية هذه المسارات للمتدربين من خلال دورات معتمدة على منصة كورسيرا، حيث يمكنهم التعلم عن بُعد بأسلوب مرن يسمح لهم باكتساب المهارات وفقًا لجداولهم الخاصة.
أهمية وتأثير المبادرة على سوق العمل العربي
1. تقليص الفجوة المهارية في المنطقة العربية
تعاني المنطقة العربية من فجوة كبيرة بين التعليم الأكاديمي ومتطلبات سوق العمل، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة من الخريجين لا يمتلكون المهارات العملية اللازمة للحصول على وظائف مرموقة. من خلال توفير برامج تعليمية حديثة ومبتكرة، تعمل الأكاديمية على تقليل هذه الفجوة وتعزيز فرص الشباب العربي في التوظيف.
2. تعزيز فرص التوظيف والتطوير المهني
يعد اكتساب المهارات الرقمية والتقنية من أهم العوامل التي تزيد من فرص الحصول على وظائف مستقبلية، خاصة مع تزايد الطلب على مجالات مثل تحليل البيانات، الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي. تساعد الأكاديمية الشباب العربي على تطوير مهاراتهم بما يتناسب مع احتياجات الشركات العالمية، مما يسهل عليهم الحصول على وظائف تنافسية.
3. دعم ريادة الأعمال وتعزيز الابتكار
تسهم الأكاديمية في تمكين رواد الأعمال عبر تزويدهم بالمعرفة اللازمة لإطلاق مشاريعهم الخاصة. من خلال تطوير مهارات إدارة الأعمال والتسويق الرقمي والاستراتيجيات المالية، يصبح بإمكان الشباب تأسيس مشاريع ناجحة تسهم في تنمية الاقتصاد العربي.
4. تعزيز مكانة المرأة في سوق العمل
تمثل المرأة جزءًا مهمًا من القوى العاملة في العالم العربي، ولكنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة في الحصول على فرص متساوية. من خلال توفير برامج تدريبية متخصصة، تسهم المبادرة في تمكين النساء من اكتساب المهارات المطلوبة لدخول سوق العمل والمنافسة بقوة في المجالات التقنية والإدارية.
5. دعم التحول الرقمي في المنطقة العربية
في ظل التوجه العالمي نحو التحول الرقمي، تسهم الأكاديمية في إعداد الكوادر العربية لتكون قادرة على التكيف مع الابتكارات التكنولوجية الحديثة، مما يعزز من قدرة المؤسسات والشركات العربية على المنافسة عالميًا.
الخاتمة والتوصيات
تشكل “أكاديمية مهارات المستقبل” نموذجًا رائدًا في تعزيز التعلم المستمر وتطوير المهارات، حيث تساهم بشكل مباشر في تمكين الشباب العربي من مواكبة التطورات التكنولوجية، وتعزيز فرصهم في سوق العمل. بفضل التعاون بين مؤسسة محمد بن راشد، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنصة كورسيرا، أصبح بإمكان الآلاف من الشباب العربي الاستفادة من دورات تدريبية معتمدة تؤهلهم لمستقبل أكثر إشراقًا.
توصيات للاستفادة من المبادرة
1.التسجيل في المسارات المتاحة: يمكن للخريجين الجدد والمهنيين الاستفادة من هذه الفرصة عبر التسجيل في الدورات التدريبية المناسبة لمجال اهتمامهم.
2.التعلم المستمر: يجب على الأفراد متابعة أحدث المهارات المطلوبة في سوق العمل لضمان القدرة على المنافسة.
3.الاستفادة من الفرص الريادية: يمكن لرواد الأعمال استخدام المعارف المكتسبة لتطوير مشاريعهم الخاصة.
4.تشجيع المؤسسات على المشاركة: يمكن للشركات والمؤسسات دعم موظفيها للاستفادة من برامج الأكاديمية، مما يسهم في تعزيز الإنتاجية والابتكار.
5.نشر الوعي حول أهمية المهارات الرقمية: من الضروري تعزيز الثقافة الرقمية بين الشباب لتأهيلهم لمتطلبات العصر الحديث.
باختصار، تعد هذه المبادرة خطوة محورية نحو بناء مستقبل مشرق للشباب العربي، حيث تتيح لهم فرصة التعلم من أفضل المنصات العالمية واكتساب مهارات عملية تعزز من تنافسيتهم على المستوى الدولي. في ظل التحولات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة، يصبح التعليم المستمر والتطوير الذاتي ضرورة ملحة لضمان النجاح والازدهار في سوق العمل.
رابط التقديم :
لتوجه لتقديم على المبادرة يرجىالضغط هنا