في ظل التحديات المتسارعة في سوق العمل ومتطلبات التحول الرقمي العالمي، بات من الضروري الاستثمار في الإنسان باعتباره العنصر الأهم في عملية التنمية. ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة “طور وغير” التي أطلقتها وزارة الشباب والرياضة المصرية بالتعاون مع شركة مايكروسوفت، لتكون نموذجًا فريدًا في إعداد الشباب وتأهيلهم لسوق العمل الحديث من خلال تطوير المهارات الرقمية والحياتية. في هذا المقال، نستعرض المبادرة في أربع خطوات رئيسية توضح مسارها وأهدافها وتأثيرها على الشباب والمجتمع.
إطلاق المبادرة وتحديد الأهداف
جاءت مبادرة “طور وغير” نتيجة لتعاون مثمر بين وزارة الشباب والرياضة المصرية وشركة مايكروسوفت العالمية، بهدف تزويد الشباب المصري بالمهارات الرقمية والعملية اللازمة لمواكبة تطورات سوق العمل، سواء محليًا أو عالميًا. تم الإعلان عن المبادرة رسميًا في عام 2018، وتم العمل على تطويرها وتوسيع نطاقها عامًا بعد عام، لتشمل عددًا أكبر من الشباب من مختلف المحافظات.
كانت الأهداف التي وُضعت في بداية المبادرة واضحة ومحددة، وتشمل:
•تطوير المهارات الرقمية للشباب عبر ورش تدريبية عملية.
•تحسين فرص التوظيف من خلال التدريب على كتابة السيرة الذاتية، ومهارات المقابلة الشخصية، والتفكير النقدي.
•دعم ريادة الأعمال والتفكير الإبداعي في تصميم المشاريع.
•الوصول إلى فئات الشباب في المناطق النائية والمحرومة تكنولوجيًا.
ومن خلال هذا التعاون، وفرت مايكروسوفت التكنولوجيا والخبرة والمعرفة، بينما لعبت الوزارة دورًا محوريًا في توفير البنية التحتية والمراكز الشبابية التي تم تحويلها إلى نقاط تدريب رقمية حديثة.
بناء المنظومة التدريبية الرقمية وتنوع المحتوى
تم تصميم المحتوى التدريبي بعناية ليتناسب مع مختلف مستويات الشباب، سواء كانوا في مرحلة الدراسة أو حديثي التخرج أو حتى الباحثين عن فرص تغيير مهني. يشمل هذا المحتوى مجالات متعددة، منها:
•المهارات الرقمية الأساسية (مثل استخدام برامج Microsoft Office، البريد الإلكتروني، التعامل مع الحوسبة السحابية).
•المهارات التكنولوجية المتقدمة (مثل البرمجة، تحليل البيانات، الأمن السيبراني).
•المهارات الحياتية (التواصل، القيادة، حل المشكلات، العمل الجماعي).
•التدريب المهني الخاص بالتوظيف (كتابة السيرة الذاتية، اجتياز المقابلات، إنشاء ملف LinkedIn احترافي).
وقد تم توفير هذه التدريبات من خلال ثلاث طرق:
1.التدريب المباشر داخل مراكز الشباب المجهزة رقميًا.
2.التدريب الإلكتروني عبر منصات رقمية بالتعاون مع مايكروسوفت مثل LinkedIn Learning وMicrosoft Learn.
3.ورش العمل الجماعية والمسابقات التحفيزية.
هذا التنوع في أساليب التعلم ساعد في الوصول إلى أوسع شريحة ممكنة من الشباب، خاصة في ظل جائحة كورونا التي دفعت نحو التعليم عن بُعد.
توسع الجغرافي وتعزيز الشراكات المحلية
نجحت المبادرة في التوسع الجغرافي لتشمل جميع محافظات مصر، حيث تم تدريب مئات الآلاف من الشباب في مراكز الشباب ومؤسسات التعليم، مع التركيز على المناطق الأكثر احتياجًا. وقد ساعد هذا التوسع في سد الفجوة الرقمية بين الحضر والريف.
كما لم تقتصر الشراكات على وزارة الشباب ومايكروسوفت فقط، بل انضمت كيانات متعددة إلى المبادرة مثل:
•وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
•الجامعات المصرية.
•القطاع الخاص والشركات الناشئة.
•منظمات المجتمع المدني.
وقد ساهمت هذه الشراكات في زيادة عدد المدربين، وتحسين جودة المحتوى، وتوفير فرص تدريب عملي في بيئات واقعية، مما زاد من فاعلية البرامج التدريبية.
أيضًا، عملت المبادرة على تنظيم مسابقات تحفيزية للمتدربين، مثل هاكاثونات ومشاريع رقمية يتم التنافس عليها، بهدف تشجيع الابتكار وتحفيز الشباب على تطوير حلول تكنولوجية تخدم مجتمعهم المحلي.
النتائج المحققة والتأثير على مستقبل الشباب
بعد مرور أكثر من خمس سنوات على انطلاق “طور وغير”، أصبحت النتائج ملموسة على أرض الواقع. فقد تم تدريب أكثر من 500 ألف شاب وشابة في مختلف المحافظات، وتم توظيف عدد كبير منهم في شركات مصرية وعالمية، بينما أسس آخرون مشاريعهم الخاصة نتيجة للمهارات التي اكتسبوها من المبادرة.
أهم النتائج التي تحققت تشمل:
•تحسين جاهزية الشباب لسوق العمل، خاصة في القطاعات التقنية.
•تقليص نسب البطالة في بعض الفئات العمرية.
•تمكين الفتيات في مجال التكنولوجيا، حيث شاركت النساء بنسبة ملحوظة في التدريبات.
•رفع مستوى الوعي بالتحول الرقمي وأهميته في التنمية.
من ناحية أخرى، أثبتت المبادرة أن الاستثمار في الشباب وتدريبهم على المهارات المستقبلية هو أحد مفاتيح النهوض بالمجتمعات اقتصاديًا واجتماعيًا. وقد ألهمت هذه المبادرة دولًا أخرى في المنطقة لإطلاق برامج مماثلة، مما جعل مصر نموذجًا يُحتذى به في مجال تطوير الموارد البشرية.
الخاتمة
مبادرة “طور وغير” ليست مجرد مشروع تدريبي، بل هي رؤية وطنية لبناء جيل قادر على مواجهة تحديات الحاضر وصناعة مستقبل رقمي مشرق. التعاون بين وزارة الشباب والرياضة وشركة مايكروسوفت أظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون أداة تمكين حقيقية عند توظيفها بالشكل الصحيح. ومع استمرار العمل والتوسع في هذه المبادرة، فإن الأمل كبير في أن نرى شباب مصر في مقدمة ركاب قطار الثورة الرقمية العالمي.
رابط التقديم فى المبادرة
لتوجه والتقديم فى المبادرة يرجى الضغط هنا