في أحد أيام نهاية يونيو 2025، اجتمعت عائلة تونسية تقيم في فرنسا لقضاء عطلة صيفية على شاطئ عين غرنز في منطقة قليبية بمحافظة نابل، شمال شرق تونس. بين أمسية وأخرى، باتت الأجواء هادئة، أمواج البحر متوسطة الارتفاع، والنسيم البحري لطيفًا – ما جعل الشاطئ المكان المثالي للترفيه والاستجمام.
استقلّت مريم أنيس، الطفلة ذات الثلاث سنوات، عوامة مطاطية صغيرة، مربوطة بخيط إلى ملابس والدتها كنوع من الاحتياط لتفادي اختفائها وسط الأمواج. فجأة، وفي بضعة لحظات فقط، تحول الهدوء إلى حالة من الذعر. هبت ريح قوية – نصف عاصفة – مزّقت الرباط، فانطلقت العوامة تقودها الأمواج نحو عرض البحر. حاول الأخ الأكبر وأفراد العائلة الوصول إليها، لكن التيارات العنيفة شدتهم بعيدًا، وفقدت معها مريم.
رغم الاستجابة السريعة من أفراد العائلة، وخاصة والدها الذي غاص وراءها في محاولة يائسة لإنقاذها لمسافة تقارب 1.5 كيلومتر، إلا أن الظروف كانت أقوى؛ فقد شرب من الماء وكاد يغرق لولا تدخل العم الذي أنقذه في اللحظة الأخيرة .
ردود الفعل المبكرة، والشائعات حول الواقعة
سرعان ما انتشرت صور ومقاطع غير دقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلة الحادث لإحداث ضجة إعلامية. تداول البعض فيديو مزعوم يعود لنجاة طفلة من حادث مشابه، وادّعى البعض أن الفتاة الناجية هي مريم، ما أثار ارتباكًا شديدًا للعائلة. عم مريم نشر، عبر إذاعة "موزاييك"، بيانًا أوضح فيه أن الفيديو لا يتعلق بالحادثة التي حدثت لمريم، داعيًا لإيقاف التضليل واحترام مشاعر الأسرة الصغيرة .
في الوقت ذاته، عبر عمّ الطفلة عن استياءه الشديد من الاتهامات التي وُجهت لأمها بالتقصير، موضحًا أن ما حصل كان خارج نطاق تحكمهم. فقد كانت الإجراءات الوقائية متخذة، والرباط مضبوط، لكن الطبيعة علّمتهم أن البحر لا يرحم، خصوصًا عندما يجتمع الجو الغاضب مع تيارات بحرية قوية .
هذه الشائعات زادت من معاناة العائلة، بزيادة الضغط النفسي والرعب على قلوبهم، بينما حثّت السلطات أفراد المجتمع على الاعتماد فقط على المصادر الرسمية لتجنب تغذية التكهنات غير الصحيحة.
الجهود الوطنية لإنقاذ الطفلة – وصف العمليات
البداية: سرعة التحرك
بمجرد الإبلاغ عن الاختفاء، شرعت فرق الحماية المدنية، الجيش والدفاع البحري، وغواصون محترفون من مختلف الأطراف في البحث عن الطفلة. تم استخدام مروحية عسكرية، زورق إنقاذ، وثلاثة فرق مياه، إلى جانب عشرين غواصًا محترفًا متدرّبًا تحت الماء .
نطاق البحث والظروف المناخية
امتد البحث لمسافة تقدر بحوالي 1–1.5 كيلومتر داخل البحر، بما في ذلك القاع. الأمر الصعب لم يكن الانجراف الطويل فقط، بل التيارات البحرية العنيفة وغياب منظومة إنقاذ دائمة على شاطئ عين غرنز. كما أن تضاريس قاع البحر الوعرة كانت سببًا في إبطاء عمليات البحث، حسبما صرح ختام ناصر، عضو المنتخب الوطني للغوص .
عوامل ميدانية ووصف دقيقة
التيارات القوية: التيارات البحرية المتعرجة كانت السبب الرئيس في جرف مريم وأهلها، وأثرت أيضًا في تأخير وصول فرق الإنقاذ.
غياب المنقذين: شاطئ عين غرنز من الأماكن التي لا يتردد عليها المصطافون كثيراً، لذلك يفتقر لوجود فريق إنقاذ دائم .
استخدام تقنيات البحث: عمليات البحث لم تقتصر على الغواصين، بل شملت مروحية لتحديد موقع، وجلست تطوف زخات بحرية، خاصة فوق المنطقة التي غرقت فيها العوامة.
المؤسف أن هذه الجهود المكثفة استمرت 3 أيام على التوالي وسط أجواء حزنٍ وتوتر متزايد، عزّزته كل ساعة لا تكون فيها مريم بين ذراعي أهلها.
النتيجة الحزينة ومغزى الفاجعة
في مساء 30 يونيو 2025، أعلن عن اكتشاف جثمان الطفلة قرب “ميناء معتمدية بني خيار”، موطن شاطئ عين غرنز، ليختم هتاف الأمل الثلاثة أيام . كان الإعلان بمثابة صدمة ليس للعائلة فقط، بل لتونس بأكملها، حيث تداولت مواقع التواصل الاجتماعي رسائل عزاء ودعاء لتعزية أهل الطفلة، الذين يواجهون الآن مأساة لا حيى بعد رحيل ابنتهم الصغيرة.
دفع هذا الحادث السلطات الخروج ببيانات جديدة تؤكد فيها ضرورة:
تعزيز وجود فرق إنقاذ دائمة في الشواطئ المعرضة للتيارات القوية.
تدعيم مقومات الحماية المدنية بوسائل حديثة لمواجهة الكوارث المفاجئة.
توعية العائلات والمصطافين بالأخطار، وتشجيع ارتداء السترات الشخصية، والابتعاد عن اللعب بمفردهم في عرض البحر.
كما حثّ عم مريم على منع جعل هذه الحادثة منابر دعاية كمّا دعا إلى "احترام مشاعر العائلة والانتظار فقط لما يصدر عن جهات رسمية" .
الدروس المستخلصة والدعوة لضبط الحالة الأمنية على الشواطئ
✅ الأول: السلامة فوق كل شيء
ضرورة ربط الأطفال بعدة نقاط أمان، بواسطة خمسة خيوط وليس خيطًا واحدًا فقط، ويفَضّل ارتداء سترة نجاة، حتى وان كانت على بعد أمتار قليلة من الشاطئ.
التحقق قبل السباحة من وجود منقذين أو وجود خدمة إنقاذ رسمية، أو على الأقل مشاركة أفراد لديهم خبرة حفظية.
↔️ الثاني: تجهيز فرق الإنقاذ
تحديث سيارة وإنأخجات الحماية المدنية بمعدات غوص بحرية متقدمة، وطائرات مسيّرة للمراقبة عن بُعد.
توفير زي ووسائل تقع في إطار بروتوكولات الاستجابة العاجلة عند فقدان طفل، لتقليل الفجوة الزمنية بين الحادث والإشعار الحكومي.
🗣️ الثالث: الرقابة الإعلامية والمسؤولية المجتمعية
التفرقة بين الأخبار الموثوقة والإشاعات قبل النشر.
ضرورة احترام الأسر في لحظات الحزن، وعدم الاستفادة الإعلامية قبل إعطاءهم الضمانات الصحيحة، خاصة في حالات العجز عن إعطاء تصريح رسمي فوري.
🧩 الرابع: تضامن المجتمع
عبيّر المجتمع التونسي والعربي عن مواساته، وتوزعت الكلمات بين العزاء، والدعاء، وتوجيه نصائح للأهل بضرورة متابعة حالتهم النفسية بعد الفاجعة.
المؤسسات المدنية أبدت استعدادًا بمبادرات تدريبية مستقبلية للحماية المدنية في دروس سلامة الطفل على الشاطئ، بالتعاون مع جمعيات تطوعٍ محلية.
في النهاية قصة مريم التونسية تذكرنا بهشاشة حياتنا أمام قوى الطبيعة. رغم مواجهة العائلة والشعب حالة من الحزن والثبات في وجه صدمة قاسية، فإن المأساة تعلمنا الدروس الأهم:
اتخاذ إجراءات وقائية قصوى عند السباحة.
تدعيم خدمات الإنقاذ في كل شاطئ غير مؤمّن.
الالتزام بالمصادر الرسمية في نشر الأخبار والتعامل مع الفاجعات بهدوء واحترام.