في بعض الأحيان، لا تكون الحكايات المرعبة مقتصرة على الكتب أو أفلام الرعب، بل تنبع من الواقع ذاته، حيث يتقاطع التاريخ مع الغموض، وتتحول الحوادث الغريبة إلى أساطير حيّة تهمس بها العقول وتتناقلها الأجيال. من بين هذه القصص المخيفة، تبرز أسطورة الحافلة الشبح رقم 7 في لندن، تلك الحافلة التي قيل إنها لا تتبع جدولًا معروفًا ولا يراها الجميع، لكنها تظهر فجأة في ساعات متأخرة من الليل على طريق مظلم يُعرف بحوادثه الغريبة، لتكون سببًا في عدة حوادث مميتة، ثم تختفي كما ظهرت دون أثر.
لم تكن تلك الحافلة شبيهة بالحافلات العادية، بل قيل إنها بلا سائق، لا أحد بداخلها، لكنها تتحرك بسرعة كبيرة في اتجاه واحد، دون توقف أو إنذار. رآها بعض شهود العيان في لحظات مفاجئة، أمام سياراتهم مباشرة، مما أدى لفقدان السيطرة وحدوث تصادم، ولكن الغريب في الأمر أن الحافلة لا تترك أي أثر بعد الحادث، وكأنها لم تكن موجودة أصلًا. هذه الظاهرة المحيّرة جعلت سكان لندن في فترة الثلاثينيات يشعرون بالرعب، وخصوصًا في منطقة لادبروك غروف (Ladbroke Grove) غرب لندن، حيث تم توثيق معظم هذه المشاهدات.
فما حقيقة هذه الحافلة؟ هل كانت مجرد خرافة ضخّمتها وسائل الإعلام؟ أم أنها كانت بالفعل ظاهرة غامضة لها أصول غير مفسرة حتى اليوم؟ هذا ما سنكشفه في السطور القادمة.
الحافلة الشبح رقم 7 ومسار الرعب
ترجع بداية القصة إلى ثلاثينيات القرن العشرين، وتحديدًا إلى شارع لادبروك غروف في غرب لندن، حين بدأت البلاغات تتوالى عن مشاهدات متكررة لحافلة حمراء اللون برقم 7، تظهر بشكل مفاجئ في نفس المكان عند تقاطع طريق معين، وغالبًا في ساعات الليل المتأخرة. ما أثار الرعب بين الناس هو أن هذه الحافلة لا تحمل ركابًا، ولا حتى سائقًا، ومع ذلك تتحرك بسرعة هائلة متجهة مباشرة نحو السائقين القادمين من الاتجاه المعاكس، مما يدفعهم للانحراف المفاجئ تفاديًا للاصطدام بها.
واحدة من أشهر الحوادث وقعت عندما انحرف سائق سيارة عن الطريق فجأة وتوفي في حادث مروّع. عندما بدأت الشرطة التحقيق، وجدوا أن شهود العيان جميعهم أشاروا إلى ظهور حافلة حمراء ضخمة أمام السائق، لكنها اختفت مباشرة بعد الحادث. لم يتم العثور على أي أثر للحافلة، لا خدوش، لا زجاج، لا علامات إطارات، ولا حتى تسجيلات مرورية تدل على وجودها. هذه الحادثة لم تكن الأولى، بل كانت واحدة من سلسلة متكررة لظهور نفس الحافلة في نفس المكان تقريبًا، مما دفع السلطات والناس لتسمية هذه الظاهرة بـ"الحافلة الشبح رقم 7".
السلطات في ذلك الوقت بدأت تأخذ البلاغات على محمل الجد، خصوصًا بعد أن أصبحت الحوادث في نفس الموقع أكثر تكرارًا، وكان القاسم المشترك بينها هو شهادة شهود العيان برؤية الحافلة قبل وقوع الحادث بلحظات. ومع ذلك، لم تنجح الشرطة أو البلديات في الوصول إلى أي تفسير منطقي، وظلت الحافلة تظهر وتختفي كما لو أنها خارج قوانين الفيزياء.
ما رواه ضحية حافلة لندن الشبحية!
من أكثر القصص رعبًا وانتشارًا حول الحافلة الشبح، هي شهادة رجل نجا بأعجوبة من حادث كان من الممكن أن ينهي حياته. يروي هذا الرجل – الذي لم يُذكر اسمه حفاظًا على خصوصيته – أنه كان يقود سيارته في منتصف الليل عائدًا إلى منزله، وعند اقترابه من التقاطع الشهير في شارع لادبروك غروف، لمح ضوءين ساطعين يتجهان نحوه بسرعة. ظن في البداية أنها سيارة مسرعة، لكن مع اقترابها، ظهرت ملامح الحافلة الحمراء بوضوح أمامه، وكان رقمها 7. المثير للذهول أنه لم يرَ أي سائق بداخلها، بل لم يكن بها أي شخص على الإطلاق.
اضطر الرجل للانحراف بسيارته فجأة ليبتعد عن الحافلة، واصطدم بجدار جانبي، مما أدى لتحطم سيارته وإصابته بجروح متوسطة. المفاجأة الأكبر أنه عندما أفاق وخرج من السيارة، لم يجد أي أثر للحافلة التي كادت تودي بحياته. كان الطريق فارغًا تمامًا، ولم يلحظ أحد من سكان المنطقة صوت حادث أو وجود أي مركبة أخرى.
عندما استعاد وعيه تمامًا، وتحدث مع الشرطة والمسعفين، تم تسجيل روايته، وتبين أن هذه الشهادة تطابق تقريبًا مع عشرات الشهادات الأخرى التي تم الإبلاغ عنها في نفس المنطقة ونفس التوقيتات. بعض المحققين أشاروا إلى أن ما شاهده ربما كان وهمًا بسبب التعب أو الهلوسة الليلية، لكن تكرار الروايات ووجود تفاصيل متطابقة جعلت من المستحيل تجاهل وجود شيء فعلي يتكرر في هذا المكان الغامض.
علامات فارقة في الحافلة الشبح رقم 7
أكثر ما أثار التساؤلات حول الحافلة الشبح هو وجود عدد من العلامات الفارقة التي تكررت في جميع الشهادات، مما يضعف احتمالية كونها هلوسة أو مجرد خيال فردي. أبرز هذه العلامات:
لونها الأحمر الداكن: الحافلة لم تكن بالحالة المشرقة مثل حافلات لندن العادية، بل كان لونها قاتمًا، كأنه مغطى بالضباب أو التراب.
رقم 7 بوضوح على الواجهة: الرقم دائمًا واضح في جميع الشهادات، ولا يتغير أبدًا، على الرغم من أن بعض المسارات لم تكن تشمل خط رقم 7 في تلك الفترة!
عدم وجود سائق أو ركاب: جميع من شاهدوا الحافلة أكدوا على أنها كانت فارغة تمامًا، وهو ما يتنافى مع طبيعة الحافلات العادية.
الظهور المفاجئ والاختفاء الفوري: لا أحد يرى الحافلة تقترب من بعيد، بل تظهر فجأة على بُعد أمتار، ثم تختفي بعد لحظات دون أن تترك أي أثر.
حدوث الحوادث دائمًا عند نفس التقاطع: وهو ما دفع البعض للاعتقاد بأن المكان نفسه "مسكون" أو مرتبط بحدث مأساوي قديم لم يُكشف عنه بعد.
بعض النظريات غير المؤكدة ربطت هذه الحافلة بحادث سابق راح ضحيته سائق حافلة حقيقية من خط 7، مما جعل روحه تعود في صورة هذه المركبة الوهمية. لكن لا يوجد دليل تاريخي قاطع على هذا التفسير.
أين الحافلة الوهمية الآن؟
مع مرور الوقت، بدأت مشاهدات الحافلة الشبح رقم 7 تقل تدريجيًا، وخصوصًا بعد إجراء بعض التعديلات في هندسة الطرق في شارع لادبروك غروف. يقال إن وضع إشارات مرور جديدة، وتعديل تقاطع الشارع، أسهم في تقليل الحوادث، وربما "أغلق البوابة" التي كانت تمر عبرها هذه الظاهرة.
لكن ذلك لم يمنع استمرار الأسطورة. إلى اليوم، لا تزال القصة تُروى في الجولات السياحية المرعبة في لندن، ويشار إلى ذلك المكان كموقع "مسكون" شهير. كما تم ذكر الحافلة في بعض الأفلام الوثائقية، والبرامج التي تستعرض الظواهر الخارقة، وحتى في بعض كتب الرعب التي تستند إلى قصص واقعية.
ويقول البعض إن الحافلة ما تزال تظهر من وقت لآخر، لكن بوتيرة أقل، وغالبًا في ساعات الفجر الباكر، حين تكون المدينة نائمة تمامًا. فهل اختفت الحافلة فعليًا؟ أم أنها ما زالت تراقب الطريق من عالمٍ آخر، في انتظار ظهورها التالي المفاجئ؟
قد لا نجد إجابة قاطعة، لكن المؤكد أن أسطورة الحافلة الشبح رقم 7 ستظل محفورة في ذاكرة لندن، كواحدة من أكثر القصص رعبًا وغموضًا في تاريخ العاصمة البريطانية.